أطـلق سـراحـك مـنـك
أنـت سـجـيـن قـيـدك والـشـهـيـد الـحـي
يا ذا الـخـافـقِ الـطـفـل ِ الـمـوزع
بـيـن فـردوس الـخـيـال ِ ..
وبـيـن
واقـعك الـجـحـيـم
كانت هذه أبيات الشاعر العراقي يحيى السماوي
والتي منهااستلهمت طلاق سراحي ..
نشأت كإنسانة عادية، ورأس مالي الحس المرهف منذ صغري, وكطفلة حالمة كانت تأسرني التماثيل والمنحوتات في
شوارع برلين وبغداد, والى جانب ولعي بالمطبوعات
الملونة من المجلات وقراءة قصص الأطفال الثرية بالخيال التي رفدتني بحس خيالي خصب بالألوان
وتذوق الجمال وبدأت بالتعبير النفي عن إحساسي بسلوك فني باقل المعطيات المتاحة امامي ,حتى اني كنت اصنع
خامات عجيبة من البيئة لأنسج الفكرة التي تجول بخاطري, وكان الفن التشكيلي اداتي و
وسيلتي السريعة والممكنة في ذلك , ومن ثم تدرجت في تطوير نفسي في هذا المجال رغم شح
وسائله وا دواته ,وعدم الاهتمام به من محيطي بالدرجة الكافية كونه لا يأكل عيش كما
يقال , ومن المؤسف النظر الى هذا الوعي الفني من هذا المنظور, وما زاد الطين بلة هو
ما كان يحسبه المجتمع من حولي ان هناك خصومة
بين الإسلام والفنون ,تدعوهم الى التجهم في النظر اليه وإدارة الظهر الى ما فيه فن
وابداع جمالي فكانت مخاصمة الأحاسيس الجمالية المتلازمة مع التجهم تشكل لي صراع داخلي متردد ما بين ان يكون ذلك حقيقة
يجب الإذعان لها او ان ثمة مشكلة في تركيبتي الوجدانية التواقة للجمال وتذوقه, وكانت
حصيلة تفاعل المؤثرات الخارجية تلك بجميع نوافذها وقنواتها التربوية والسلوكية مع وعي
الذاتي الإنساني وارثي المختزن جعلني افقد
المناعة امام ما يقدم لي ويفرض علي كثقافة جاهزية تنبذ وتهمش الحس الإبداعي بداخلي
لذلك كانت هذه الجزئية هي معاناة لها خصوصيتها عندي الى جانب معاناتنا العامة الأخرى
السائدة في ثقافة المجتمع ,وحين نضجت قناعاتي ان من لا يملك الإرادة لا يملك المشيئة
ومن لا يملك المشيئة يرسم الاخرون له مصيره
فاذا شاءوا صلبوه وان شاءوا رجموه انطلقت لأعبر عن تلك الطاقة التوترية بشكل رد سلوكي خارجي
اخذ طريقه عندي عبر التجربة الإبداعية والفنية
لأحمل خلاصة تلاقح المؤثرات الخارجية
مع الذات في اعمالي الفنية ,وكجميع الفنانين بدأت بتجسيد ملموس لمجموعة من عمليات الفك
والتركيب لعناصر جمالية حسيه وخياليه من حولي مغيره مواقعها في الخارج معيده ترتيبها
من جديد بما يتناسب مع رؤيتي الخاصة محاولة بذلك التدخل في الواقع لزحزحته عما هو عليه
.
وبذلك اطلقت سراحي وكان هذا السراح هو كلمة
السر التي وصلت اليها للخروج من صراع الثقافات الاجتماعيةو التناحرات السياسية خلال
الفترة الماضية المتزامنة مع ثورات الربيع العربي
وثورات الانسان الوجودية.فانسحبت من فوضى المجتمع السياسية والاجتماعية والفكرية
المخيفه عبر حملتها المجنونه التي تريد تشويش ذاكرتنا الصورية والجمالية والإنسانية
, تلك الذاكرة التي باتت قريبة الى العطب بسبب الصراعات الراهنة والمتجددة في غموض
متكرر ومتوالد والتي اصبحنا بسببها غارقين في اللحظة العدائية وخاضعين لضجيجها الصخب متداولين اخبارها الساخطة والساخنة العاجلة دون إدراك اثرها على المساحة الجمالية في ذاكرتنا
, وفي لحظة كنت فيها اروج لتلك المعمعه انسياقا مني مع الثقافة القطيعية واللغة الولائية
صحوت ووجدتني اقف في الطابور الخطاء, ووجدتني
متامرة على الحضارة والثقافة دون دراية ووعي, فحاولت اقتحام الساحة النمطية هذه بالمغاير والمختلف ,بخطوات وثابة متمردة متجاهلة
السجال التقليدي المتخلف عن حدود الثقافة ومفاهيم الحضارة , محاولة ترميم ذاكرتي ووعي
من إثار اليمة لا اريد ان تترك اثر ممتد الى المستقبل مستغلة تخمة الوقت الذي كنا نقضيه
في الفرجة والتنظير والتحليل لأنتقل الى محراب الفن ونسكه, وبحالة التعافي هذا كانت
خطواتي بالريشة متجلية للناظر والمتلقي، اصراراً على ضرورة إجراء تغيير ما في الخارج..
متطلعه الى ان أكون شيئا يضيف الى جمال هذا العالم والحياة والأمل والأنسانية,متطلعه
الى مجتمع يتمتع بحياة ثقافية و فنية غنية ، مجتمع يعيش أعضاؤه في بيئة جمالية تمكنهم
من تحقيق إمكاناتهم الفنية لكي يطوروا حياتهم و صولاً لمستقبل أفضل .