(اليمن
فتاكة)، والمعركة فيها معركة بقاء أو فناء, كانت هذه عبارة المرحوم محمد
حسنين هيكل، وها قد جف حبر دمه ورحل تاركاً إرثه العظيم الذي لا يموت،
فمهنيته المتميزة والمسايرة لأحداث ومتغيرات عربية مخضرمة كانت متبصرة
بالأحداث المستقبلية من معطيات وتطورات وتجارب سابقة, وهذا ما يؤكده إيريك
برينس، أحد الجنرالات المؤسسين لشركة (بلاك ووتر) (جيش الماء الأسود)
الأمريكية للخدمات الأمنية، حين قال أحد الجنرالات المقربين منه في حديث
خاص تناقلته وسائل إعلام عربية ودولية: (لقد خدعونا بالدخول إلى الأراضي
اليمنية، وقالوا لنا بأننا سنواجه من لا يعرفون كيف يتعاملون مع السلاح،
وأن هزيمتهم ستكون سهلة جداً كونهم أقل خبرة من الجيش العراقي والجيوش
الأخرى التي واجهناها من قبل).
إنه
جيش الماء الأسود، الجيش الخفي لبوش، والذي أُميط اللثام عن نشاطه في
العراق لأول مرة عندما أعلن في 31 مارس 2004عن مقتل 4 من جنود هذه الشركة
في مدينة الفلوجة العراقية، كانوا يقومون بنقل الطعام. وفي أبريل 2005 قتل 5
منهم بإسقاط مروحيتهم. وفي بداية 2007 قتل 5 آخرون بتحطم مروحيتهم أيضاً.
(بلاك
ووتر) شركة إجرامية مكونة من مجموعة من المرتزقة من متقاعدي جيوش وقوات
خاصة غربية ودول في شرق أوروبا، تبرم عقوداً بأعمال مقاولات قذرة نيابة عن
بعض حكومات حول العالم, لا أجدها مختلفة عن (داعش) كمنظمات إرهابية،
والتشابه هنا هو باعتماد الإرهاب كسلعة أو مهنة تبيعانها بوحشية ملفتة
وتنظيم ملفت أيضاً. الفرق بين (بلاك ووتر) و(داعش) في الترخيص، (بلاك ووتر)
مرخصة وفق القوانين الدولية المعلنة تحت غطاء شركة أمنية. أما (داعش) فقد
أُعدت ليتبرأوا منها ويغذوها ليجعلوا منها سبباً لتدخلاتهم (مسمار جحا)
كالقاعدة وأمثالها, يصدرونها ويستوردون شُذاذ الآفاق حسب الضرورة القتالية،
تحت حجة جهادية. وقد تم توظيف هاتين المنظمتين الإرهابيتين كطاحونة رحى
تدور حراكها على أرض اليمن، ولكن هيهات أن يفلحوا في مراميهم الطامعة, فقد
استعان نظام مملكة بني سعود بهذه الشركة إلى جانب الجيوش المستعارة في
تحالف الشر، وذلك لشن العدوان على اليمن, فلم يكتفِ نظام بني سعود برشوة
الدول العربية لتتحالف معهم ضدنا بعروبة (بلاك ووتر)، وجهادية (داعش)
الإجرامية، مستخفين بإمكانيات الجيش اليمني وعقيدته القتالية وروحه المؤمنة
بتراب الوطن وما علاه, وبعد معارك حامية الوطيس أظهرت صلابة وجلادة الجيش
اليمني رغم ظروف الحصار عليه، وعدم تكافؤ القوة التسليحية بينه وبين تحالف
العدوان الذي يملك أحدث المعدات العسكرية، وبتغطية جوية وبحرية بأحدث
الأسلحة وأعنفها من أسلحة محرمة وغيرها.
لقد
أخذ سعار غرور بني سعود مبلغه عندما فكروا بعقلية الدول العظمى، وسقطوا في
مقبرة غرورهم، وبتصريح علني من أحد مؤسسي شركة (بلاك ووتر) عن فشل عناصره
في مواجهة الجيش اليمني بإمكانياته المحدودة, وهنا نوضح لجارة السوء ولمن
احتضنتهم تحت عنوان الشرعية، الفرق بين قضية الحق وقضية الاعتداء, فلا
تنتفخ نفوسكم بالوهم الكاذب والخاطئ والانتصارات الوهمية المستهلكة، فالخزي
والعار هو الذي جنيتموه من هذا العدوان العبثي على اليمن، فهل خُيّل لكم
أن التاريخ سيفخر يوماً ويكتب في سجله (عاش العرب الذين يجلبون المرتزقة من
أقاصي الأرض لقتل العرب)..؟! بل ستؤرخ سوءة فعلكم في مزبلة التاريخ مذيلة
باللعنات.
أما بالنسبة للمرتزقة
فهم لا يعرفون القيم في عقودهم المشروطة بالأجر, وهنا تحضرني مقولة
للفيلسوف فولتير: (إن المرتزقة لا يصلحون للقتال، فما إن تقطر نقطة الدم
الأولى إلا ويفشلون، يأتون لإعطاء الضربات، وما إن يبدأوا في أخدها يتغير
موقفهم). هناك فرق في معارك الشرف والحق، فالقتال يحتاج إلى إرادة لدفع
أغلى ثمن، وهو روح الإنسان، ولن نجد مرتزقاً يريد الموت من أجل المال,
ونظام بني سعود تجاوز كل قيم الإنسانية، بل وقيم العروبة والإسلام بعدوانه
الجائر على اليمن، حيث سيترسخ هذا الفعل الشنيع في ذاكرة المستقبل أجيالاً
وأجيالاً، وسينقش في تاريخ اليمن والأمة العربية بكل التفاصيل والمراحل،
وإذا كان الظلم جولة متجبرة, فللحق جولات أقوى تشحذ الإرادات، وتتراكم
القوة فيها، وكما كانت اليمن رمزاً ومهداً للحضارات، ستبقى مثالاً للقوة
والإيمان بالوطن.
http://www.laamedia.com/articalview.aspx?art=586