ما يتبادر للذهن أن شعور الظلم والقهر من العدوان الذي يعيشه المجتمع اليمني سينعكس سلباً على النفسيات و لدى أبناءه وستعشعش مفاهيم العدائية والوحشية على السلوك العام ،خاصة وأن الطابور الخامس والمعنيين وما يقومون به من تغذية الكراهية والعداء التي تنال نصيبها الأكبر من سلوك أفرقاء الصراع تجاه بعضهم البعض ،ليغرقوا بهذا السلوك ويحمِّلوا المجتمع كله حماقتهم وردود أفعالهم وخطابهم المتكلس والمُعمق للعب بقضايا حساسة في اتجاه الكراهية الجهوية المناطقية المذهبية من حيث يشعرون او لا يشعرون ، فيشكلون أرضية خصبة للعدوان وما يطمح اليه في تكثيف الشروخ الاجتماعية وتفتيت نسيجه .
أن الإنسان بطبعه الذي يحمل من كل شيء ضده وإن كان بنسب متفاوته, فهو يعيش بداخل كل منا جانب من الاستعداد لتجاوب مع بيئة الشر وبيئة الخير وهنا يأتي دور حيّز الجمال والجنوح للسلم في تضييق مساحة النزوع نحو الشر وتوسيع مساحة الأمل والمودة والخير ,يتجلى لنا هذا الجانب المشرق في عتمة الظروف التي تمر بها اليمن من عدوان غاشم واقتتال بيني إلا ان الملحوظ وبصورة ملفته هي حزمة الأنشطة الثقافية والفنية المتنوعة المتزامنة مع هذا الظرف لتؤكد أن في حنايا الشعب اليمني روح تنبض بالحياة روح تنبض بالأصالة والحضارة وتتوق الى مستقبلا مشرق ,تتوق لحياة جميلة متنوعة المعاني و الوسائل, والأهداف التي تشكل ملامح وطن يسوده الأمان والسلام ,و كل أوتاد البيئة الحاضنة للإنسان المبدع الصانع للحياة المكمل للأخر المتقبل للأخر.
انها ليست صفات مستجدة في هذا الشعب الذي صمد هذا الصمود الاسطوري ,يتحمل هذا الحصار الظالم المفاجئ على مدى عام ونيف وبعدوان غاشم بربري جوي وبري وبحري ,يستهدف كل شيء جميل وحديث ومنجز وقيد الإنجار ,هذا الشعب هو فعلا امتداد لتراكم تاريخه الأصيل الذي لا شك انه قد عاش محن مثل هذه وأكثر .
خلال هذه المرحلة العدوانية والأزمات التي سبقتها فقد بدأت ملامح ثقافة وسلوك مستجد للشعب اليمني تتركز في انتخاءه لذاته الإنسانية من خلال الوعي لطبيعة المؤامرة التي تستهدف كيانه الوطن والدولة في اطار وسياق مماثل لخطر ملامحه واضحة وجليه جدا في الأقطار العربية التي تعيش نفس المحنة .
وإن كان ولا بد ان تظهر هنا وهناك نخب ومجاميع تقتضي مصالحها الآنية والضيقة ان يتربعوا على عروش اللعبة ويجاروها, كلٍ يصفها بطريقته ليشكّلوا مرتعاً للمؤامرة وسياجاً وعنوان لتحجّج والذرائع التي يكيلها العدوان فلا يعني هذا ان الشعب اليمني هو كله هذه الثلة المتصارعة والمتهافته على التجاذبات مع ذاك ضد ذاك محلياً وإقليمياً ودوليا .
فأن يكون هذا الحراك الثقافي الفني وهذا الكم النوعي من الفعاليات الذي تشهد معظم المدن اليمنية وبالذات العاصمة صنعاء على مدار العام وفي أصعب الظروف حتى الأمنية ,لا يمر شهر ولا أسبوع ولا حتى يوم إلا والفعاليات والتفاعل معها في سياقه الطبيعي ولو بحده الأدنى في هذا الظرف ,فكيف عندما تكون بعض الفعاليات لها حضور وكثافة وتميز أكثر من الظروف العادية ما قبل العدوان !
وكنموذجي أقف عندهما لفعاليات تأتي في ذكرى احتفالات الشعب اليمني بأعياد الوحدة اليمنية المباركة سأسلط الضوء على هذه النموذجين من عشرات الحالات .
تحت شعار "نساء يبدعن من أجل السلام " أُقيم معرض تشكيلي في جاليري صنعاء للفنون التشكيلية بمشاركة 33 فنانة تشكيلية يستمر على مدى شهر كامل , عرض فيه لوحات متنوعة المدارس التشكيلية والفنية بريشة المرأة اليمنية الفنانة التي تقاوم بخيالها واحساسها اثار العدوان ,كانت اللوحات متميزة باسلوبها والوانها التي ابرزها موقع المعرض المتسم بطابع بناء يمني منح الزوار نكهة وخصوصية يمنية , نال هذا المعرض أعجاب الكثير واقبالهم ,واضاف الى هذا الثراء الجمالي هو الثراء المعرفي من خلال الصباحيات الشعرية والندوات الفكرية التي تقام على صدده حتى نهاية الشهر ,والنموذج الثاني الذي اتى في سياق الاحتفالات بالعيد الوطني الـ26 للجمهورية اليمنية 22 مايو تم افتتاح فعاليات معرض الكتاب السنوي بمدرسة جمال عبدالناصر للمتفوقين. الجميل في الأمر هو انه تم بالشراكة بين الجهات الحكومية المعنية كوزارة الثقافة ووزارة التربية والتعليم وأمانة العاصمة وبين منظمات وجهات غير حكومية كاتحاد الناشرين اليمنيين وشبكة يمن إبداع.
يصاحب هذه الفعاليات أنشطة متنوعة و ورشات عمل ومعرض فني لطلاب المدارس في امانة العاصمة ,يرصد منه مدى الوعي الفني والجمالي المتشكل في اذهانهم ويبشر بنشء واعد بالعطاء.
انه شعبه ينتصر لنفسه ولوطنه ,وسيصنع السلام والأمان والاستقرار وسيقول لكل من اجرم من ابناء وطنه او من خارجه لن تمروا ولن ندفن وستحلق بنا الذكريات في قمم الأعالي وتسطع بنا نجوم السماء لتعلن ان نحن هنا في ارضنا بتاريخنا ومجدنا ومستقبلنا القادم ,وهم سيدفنون في مزبلة التاريخ مثل كل شيء ضخم استخدم لتكسير وللتدمير لكنه في النهاية تحول الى خردة وزبالة اكلتها كل عوامل التعرية وعاشت الشعوب وستعيش حرة مجيدة مهما طال الظلم والطغيان والسلم والأستقرار"
رابط الصحيفة
http://
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق